ماذا لو طاف رأس الإمام الحسين يوم العاشر من محرم في سماء كربلاء وفضائها، وشفتاه ترتل آيته المحكمة: "إني لم أخرج أَشِرًا ولا بَطَرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر؟"
أين يا ترى سيحط رأسه الشريف ليبارك مَنْ سعى لإحياء ذكراه، وفكره وصداه، بما يصب في مقصده ومبتغاه، وبما ينساق مع جلّ قضيته، التي قدم لها القرابين تلو القرابين؛ بغية إحياء شريعة جده المصطفى وأبيه المرتضى، التي مبتغاها العصف بالعقول والنفوس للارتقاء بها إلى الكمالات التي تليق برسالة السماء؟
وأين سيحدق بمقلتيه لتستقر في محل يأمل أن تلتئم فيه جراحاته وتبرد حرقة أوجاعه، بأداء محبيه ومريديه وعشاقه، بما ينساق مع سياق مدرسته الإصلاحية التي تضمنت أنبل القيم وأشرفها، وأتم الدروس وأكملها، وأعظم المواقف وأجلّها؟
في قبال ذلك، أين ستُصب دموعه أسفًا وحزنًا على محبيه ممن انقادوا غفلةً أو جهلًا أو عنادًا إلى ما لا يُرضي الله تعالى وسنة رسوله، خلافًا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بعيدًا عن مقصد قضيته، ومراد نهضته، وإحياء مشروعه الإصلاحي؟
هنا سترتل شفتاه الذابلتان: "ألا من ناصر ينصرنا؟ ألا من معين يعيننا؟" أملًا في نصرته في محاربة الظلم وطغيانه، ومكافحة الفساد وبراثينه، واجتثاث ظلمته وغياهبه، وسيرددها تارة أخرى على الرغم من صدى البعض الذين تصدح حناجرهم بـ"لبيك يا حسين!" وسيبقى الحسين يردد: "ألا من ناصر ينصرنا؟" إلى حين أن نقف عند دلالة مواقفه وصفحات سيرته ومصداق منهجه من عزة وإباء وكبرياء ووفاء، يليق بسيد الشهداء.